بحث

الثلاثاء، 1 يناير 2013

أين هؤلاء الآن ؟


 
أين هؤلاء الآن ؟


إعداد : هند مقصوص

كل من يقرأ أعمال زكريا تامر , وشيئا من محمد الماغوط ,  وبدر شاكر السياب , يعيش حالة الاعجاب مضفيا عليها بعضا من الكآبة , جيل لم يكتب إلا عن الحزن والأحلام الميتة على أرصفة الطرقات , يمكننا القول أنه جيل أبدع في اليأس , حنا مينا وإدوار الخراط  وصنع الله إبراهيم , رجال أفاقوا على عصر مليء بالفقر والسجون , وبدأوا العمر حفاة على أرصفة المقاهي والأمل , وجلسوا ينقلون إلينا عذاباتهم في جمال وإبداع ولا مبالاة
.

أسلوب متشابه في نثر زكريا تامر وشعر محمد الماغوط , ذات التأوهات في وجه الملل والبطالة والاستسلام للأسى. مناخ مشابه للوضع في سورية , العراق, ليبيا , والعديد من دول الربيع العربي , الذي لم يعشوا إلا خريفه . جيل يحاول برمته الإبحار إلى بلاد أخرى، لا يعرفها ولا تعرفه , يخاف تطلعات قد تفوق اوطانه
, يحاول التخفف من مسؤولية الوجود لأنه ولد ميتا، كما يقول زكريا تامر في «صهيل الحصان الأبيض» , إنه الحصان الذي لا يقوى على القيام إليه لأنه تناول للتو حبوب الانتحار.
لكن هؤلاء السادة المعذبين جيل تامر والماغوط  انتهوا بأن أصبحوا أروع الروائيين والشعراء , حولوا غبار الحياة إلى بروج أدبية، على أبوابها وشرفاتها ياسمين وضوء قمر حزين وجميل , لكن جيلنا نحن كيف يحيى وكيف يتأثر !!
«فامتلكتني خيبة مرة، وأحسست بأني من أشد المخلوقات بؤسا، ولم أستطع البكاء لأن عينيّ أمي كانتا تراقبانني بفضول، فقصدت المرحاض، وهناك أسندت خدي إلى جداره الخشن الوسخ، وانتحبت طويلا دون خجل ثم غسلت وجهي بماء بارد». هذه فقرة من شباب زكريا تامر في الخمسينات , وأسى متكرر في شعر السياب وتفجر غير متردد في شعر الماغوط، الذي بلغ ذروته يوم أعلن «سأخون وطني»، قاصدا الوطن الذي كان، لا الذي يريده أن يكون.
خليل حاوي تخطى الجميع. فلما رأى «نهر الرماد» يفيض على الضفتين أمسك بندقية الصيد وأطلق النار على نفسه ,  لم يطق الحياة أمام مشهد دبابات شارون تطلق المدافع على أهله في المدينة، فأطلق النار على طائر الشعر الجميل، كان ذلك عصر الحدادين الذين صاروا ثروتنا الأدبية والشعرية المعاصرة , التزموا قضايا أمتهم وجيلهم ومدنهم التي غرقت في  الفقر والاضطهاد والطرق المسدودة. لم يقصف شارون بيروت المدة التي قصفها المناضلون , احتل ومضى وخجل من دخول القصر الجمهوري , لكن المناضلون كانوا يدخلون القصر الجمهوري كأنهم يدخلون على زريبة,  وظلوا يطاردون سليمان فرنجية حتى أبعدوه لاجئا في إحدى القرى.
 وما زلنا نقرأ لهؤلاء الكبار , وللساعة هذه لم تظهر أسماء جديدة تجعلنا نودع ما كتبوه في عالم الأدب , وليس هناك شيء جديد في عالمنا العربي غير الحزن والقتل والتدمير , ولو رجع السياب إلى ضفاف نهر دجلة والفرات , لما عجبه حال الأرض والعباد والنخلة في ارض الرافدين.
فالحزن قدر الانسان الشرقي , وخاصة إذا كان شاعرا مثل أمل دنقل والسياب والماغوط وكذلك نصيب الروائيين , عملاق حزن سكنهم !!
هذا الصيف , ثمة حزن أكبر في مدن العرب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More