بحث

الجمعة، 1 فبراير 2013

سبهان آدم .. وجمالية القبح ..

سبهان آدم .. وجمالية القبح ..




إعداد : ولاء حاج علي


لا تستغرب من قبح ماترى أو تشعر بالنفور ,فماتراه ليس إلا جزء منك, ومني, ومن انكسار الانسانية.
إنه الفنان التشكيلي سبهان آدم من يحار الشعور في وصف مايرسم, الذي توقع أن تكون أعماله مساندة للأشخاص الذين عانوا من مشاكل نفسية أو العصابيين أو الذين عاشوا أوقاتاً قاسية، وأن تكون أعماله مغذية لهم على المستوى النفسي والروحي.أبرز فناني ما بعد الحداثة في العالم العربي، استطاع ان يخترق جدار المتاحف والغاليريات العالمية، كنموذج خارق للعولمة بعدما تحول ظاهرة عصره بامتياز. له معارض كثيرة في مختلف أنحاء العالم. تصدرت اعماله أغلفة مجلات عريقة متخصصة بالتشكيل.أقام 37 معرضاً فردياً (دمشق وبيروت وجنيف والقاهرة وتونس ومدريد وبروكسل روما ولندن ونيويورك وباريس وعمان).
ولعل جزءاً كبيراً من شهرة سبهان قامت على التساؤلات الوجودية التي أعطيت لكائناته المستسلمة لعبثيتها.فهي تبدو بين الآدمية والبهيمية كائنات ممسوخه محيرة مذعورة وملغزة لكأنها على أعتاب الليل أو في نار الجحيم. وجوه دميمة وأجساد من دون أطراف آدمية، تعيش أقصى حالات العزلة والفزع غارقة في السواد. وهي لفرط ذعرها ربما، تستعير مخالب لتنبت في الرأس، مثلما تتناسخ الأعين في الوجه الواحد، تنظر بغفلة، كما لو أنّها في قفص غير مرئي أو أنّها في مختبر للتشريح أو للتعذيب تعاني من دمار روحي وجسدي. إذ يضعها على خلفية سوداء من خلائط الرمل والزفت، ليزيد وحشتها وعدميتها في لطخات لونية ارتجالية ونزقة تضاعف حدة التوتر لهذه المخلوقات الهجينة المنتزعة من العدم. ثمة مرجعيات تشكيلية لأعمال هذا الفنان، يقال بانها آتية من حكايات الجدات عن كائنات خرافية مجهولة المصدر، غير أنها تلتقي عميقاً مع تشظيات ما بعد الحداثة. ورغم إصرار الفنان على عدم الاعتراف بأية أبوة فنية لكننا سنجد صلة رحم تربط نتاجه بأعمال فرانسيس بيكون وإيغون شيلي في ما يسمّى جمالية القبح، في طريقة بناء عمارة النص البصري للإنسان بمعوقاته وتحويراته وعذاباته وذكرياته . سبهان آدم في مدينة الحسكة (شمال شرقي سورية العام 1972) من عائلة فقيرة مؤلفة من 11 ولداً والدته عراقية من الموصل وقد أثّرت على بدايته في الفن،لكنه لم يجد في مدينته سوى وجوه منغمسة بحزن غامض.


منذ طفولته امتلك نظرة عميقة وطموحاً يتحرق لحياة لم يردها منقسمة بين جدارن صامتة وعيون تحدق بالمجهول. فأخذ يعبث بألوان الطّيف متمنياً أن يكون طليقاً كالسحاب الحر في الفضاء,لذا لم يلتحق قط بأكاديمية لدراسة الفن، بل سعى إلى تحقيق ذاته من خلال قراءته للشعر الحديث ثم استبدل الورق بالقماش والألوان باحثاً عن روحه التائهة. لعبة الصدفة لعبت الصدفة دورها في حياة سبهان آدم. نبذه المحترف السوري في دمشق لخروجه عن المواصفات. فما كان منه إلا ان واجه هذه التحديات بمزيد من التمرد على منتقديه من الفنانين الذين وصفهم بالحثالة من «حراس الفن السخيف»،لقي فنه تشجيعاً من رئيس المؤلفين والمترجمين في وزارة الثقافة السورية أنطوان مقدسي، فكان معرضه في المركز الثقافي الفرنسي في دمشق، نقطة تحول مهمة في حياته التي ما لبثت ان تطورت في محيط لا يمكن ان يوصف إلا بالعدائية. استطاع بعدها خلال عشر سنوات ان يصنف الأول وأن يحقق بسرعة قياسية ما عجز عن انجازه كبار الفنانين الذين سبقوه.
يتحدث في لوحاته عن إنسان بالمطلق، بعيداً عن العقائد والإيديولوجيات، الأفكار، الأزمان، القوميات، وبعيداً عن كل هذا، يتحدث عن قصة الإنسان الذي يعيش على الهامش، قصة الإنسان المتألم، ويبني عالمه التشكيلي من خلال تشربه لمجموع الخليط الثقافي والإنساني العالمي، فهو بمثابة اسفنجة ماصة لمجموع هذا، ولوحته تعكس هذا المجموع.


الخلفية في أعماله على اختلاف ألوانها، تأتي خالية من أي عناصر، فهو لا يعمل على الفراغ، بل على الشكل، وهذا الشكل لديه هو شكل مبسط، الفراغ هو جزء رئيسي وغير رئيسي، الفراغ الذي يعمل عليه هو جزء من العمل كما في أعمال جاكوميتي، فالفراغ هو جزء من المنحوتة لديه، ومقدار الألم وإشعاعه هو هذا الفراغ، وهذا الفراغ يحتوي رؤية وجودية تعكس إشعاع هذا الألم الذي يريد تصويره وإيصاله، فهذا الفراغ يعكس حالة التوحد والعزلة، ويمكن الإضافة إلى أن هذا الفراغ التشكيلي يحتوي في داخله فراغاً آخر غير مرئي، هذا الفراغ هو امتلاء تعبيري ومن الضروري لديه أن يكون بهذه الصورة ليتمم ما أريد قوله.


في سلسلة لوحاته المعنونة «الرجال الطيور»، تحلّق شخوصه الحيوانية في فضاء كتيم ومعتم، لكنّه لمزيد من الوحشية يربطها بخيوط تتدلّى من سقف اللوحة ويتركها معلّقة بين الأرض والسماء كما لو أنها مصابة بلعنة أبدية. وفي «قلادات»، يستلهم من الدائرة أسئلة الكون في طواف ميثيولوجي حول معنى الحياة في دورتها الأزلية من دون أن يتخلى عن فطريته في تفسير مكوّنات خطوطه وألوانه المتقشّفة التي تتوارى وتخفت أمام فزع نظرة الكائن في عمق اللوحة. يعيش سبهان آدم عند حدود الصحراء السورية، وفي ذلك المنفى الاختياري يستدعي كائناته السحرية وسط عويل الصحراء ورمالها، يتلاعب بمصائرها كي يسحقها بخشونته البدوية، فيترك كائناته في الحيرة، مثبّتة إلى جدار ذهني لا تتزحزح عنه. بدءاً بهذه الصورة الثابتة، يعمل هذا الفنان الذي يقف على حدة بين أقرانه وأبناء جيله، على إدارة ظهره لكلّ المواصفات التشكيلية.

هي ذي إذاً وحشية الانسان بكل ما يعتريه من حزن غامض وخرافة مجهولة المصدر . وما أصدق من فنان يعبر عن انسان !
هو سبهان آدم على رغم غروره وادعائه وتعاليه فهو منغمس عميقاً في الألم. ميزته أن أعماله تخاطب ذائقة معولمة تجد في مسوخه صورة مثلى للقمع الذي يعانيه الإنسان المعاصر.




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More