أمنية قبل القصف ,, آلام ما بعده ..
إعداد : أريج حمود
إعداد : أريج حمود
هل يمكن أن يكون التأثير أكبر, و الجرح أعمق ؟!
التفكير في الإجابة على هذا السؤال لا تزيد الجرح إلا اتّقاداً , لذلك أفضل
عدم التفكير , ولكن إجابات كثيرة تباغت رأسي _الذي لا يحيد مطرقاً نحو السّماء_
مرافقة كلّ صوت يخترق أذناي مطلّاً عليّ من هنا
..
فهنا دمشق ,, و هناك في جنوبها بيتنا ,, و نحن فيه ذلك اليوم , ليلة القصف
الأولى , تركنا غرفه الكثيرة و المريحة و تجمّعنا في الطابق الأسفل حيث غرفة مظلمة
يتيمة , عسانا نتّقي قذيفة إذا ما اختارت على سبيل الصدفة أن تنزل
فيه !
تهبط عليك ليلة كهذه فيخيّل إليك أن الصباح لن يجيء , و أنّ المستقبل
المشرق ضرب من الوهم الوردي لا أكثر
!
و أصعب المشاعر على الإطلاق تجرّها لك أفكارك عن ماهية الموت المنتظر مع
كلّ ومضة إطلاق يتلوها دويُّ ذلك الصوت ,, و من ثمّ تنفتح قذائف الحقد العشوائية
مثيرة في رأسك زوبعة تدور فيها حلقات من الذكرى ,, شرائط
صور ,, بحار دموع ,, أصوات ,, ذنوب ,, أحلام ,, و أمنيات كثيرة مؤجلة .
تتعدد الخواطر و القلق البركانيّ المستعر واحد , فأنت الآن تتجرّع غصّة
أحلام قد تنهار دفعة واحدة بقذيفة واحدة فقط ! , تطيح بقدميك مثلاً , أو أي عضو
آخر فيك ,, أو ربما تلقيك على صفحة الحياة مشوّهاً بألم كسيح
,
و عجزٍ كاسح يرافقك حتى الموت , ربما تقتل كلّ من حولك و تبقيك , و عليك
هنا أن تعيش الألم أضعافا مضاعفة لا تزيدها أصوات الصباح القادمة إلّا اشتعالاً .
يغادر الليل كسلحفاة , و يأتي الفجر أخيراً مع خاطرة تلخّص المشهد , و تطبع
شيئاً من الحرقة فيك ; لأنك الآن و أكثر من أي وقت تدرك جيّداً أنك عشت كابوساً من
توقّعات " لم تقع " , و كثر غيرك من عاشها كابوساً أبديّاً
سيلازمه بقيّة حياته , يوقظه في الليلة الواحدة عدة مرات , بشهقات ليلة
القصف الأولى إيّاها .
كتب إسلام أبو شكير مرة يقول : " الموت على فراشه يتمطّى , فنجان
قهوته إلى جانبه , عينا الموت حمراوان فسهرة الأمس كانت طويلة , سهرة ماجنة ,
أجساد من حوله كانت تتلوى , رؤوس تتدحرج , صرخات و كؤوس دم,
و في الخارج مسيرة دبابات حاشدة تجوب الشوارع , تنادي بالخلود للإله الهالك
و بالهلاك للشعب الخالد "
أصادق على كلامه من واقع و عمق معايشة , فطريقنا الذي سلكناه في الصباح
خارجين من الحي هو نفسه الذي سلكه الموت قادماً إلينا , وآثار الموت و أدواته على
قارعة الطريق تشهد بذلك , و رائحه الدم الحرام تخدش فينا الإنسانية ,
لنستشعر فيما بعد أن دقّات الخوف تلك أصبحت معاول هدمت فينا كلّ مبالاة
بتفاهات الحياة , و قد باتت عيناً تبصّرنا حقائق لم نكن لندركها يوماً هي في صميم
الإنسانية بمكان , و تصرخ تلك الدّقات في كلّ كبوة تهزّنا هزّا ,
أن قم ففي الحياة ظلم أنت مدركه
,
و للحياة عقيدة أنت محييها , و لك في هذه الحياة حُلُم ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق