بحث

الثلاثاء، 1 يناير 2013

رزارد كابوشنسكي ..




"رزارد كابوشنسكي "



إعداد : هند مقصوص


لماذا يخشى الديكتاتور التلميح أكثر من التصريح ؟!
لأنه يعرف أن لا أحد يجرؤ على الفصح مباشرة , حيث مخبروه يذهبون إلى الأزقة الصغيرة قبل الساحات , يسترقون القول من خلف الجدران وتحت النوافذ قبل أن يقرروا المواطن بما تحدث !
فكان لا بد من الشعب الفطن أن يستخدم دهائه حتى يصيب عرش الديكتاتورية , "رزارد كابوشنسكي" أعظم صحافيي القرن العشرين إستطاع أن يتحايل على جبروت " ادغار غيريك " بالكتابة عن هيلا سيلاسي التي ظهرت أول الأمر على شكل مسلسل في صحيفة "كونتوار" .
حيث لمح كابوشنسكي بــ «الإمبراطور» على ديكتاتورية غريك بسخريته  من هيلا سيلاسي الذي شرع في إصلاحات اقتصادية رافضا أن يرفق ذلك بأي إصلاح سياسي, وأدرك كل بولندي أنه يتحدث عن غيريك، لا عن سيلاسي، عندما قال إن «الإمبراطور يمنح المقابلات وفقا لولاء طالبيها وليس وفقا لكفاءاتهم».
صدرت الآن أول ترجمة إلى الإنجليزية لأول سيرة عن المراسل البولندي الفقير الذي كان زملاؤه الغربيون يتحننون عليه بنقله معهم في آخر الباص أو آخر الطائرة المزدحمة , وبعض الغربيين كان يتحاشاه أيضا، فهو ليس سوى شيوعي آخر من أوروبا الشرقية: حزبي ومتحيز.
لكن العالم لم يكن يعرف أن هذا الرجل الفقير، المحب للكتابة والعلاقات القصيرة مع النساء، قد أرسى مدرسة جديدة في الصحافة , حيث أن كابوشنسكي لم يكن مجرد مراسل , ربما لم يكن هو أيضا يعرف ذلك يومها.
إنه خليط من مراسل دؤوب شجاع فقير ومحتال جميل يضفي رشة بهار والكثير من ماء الزهر إلى كلماته ,  شاعر أو أديب لم يستطع التفرغ للترحال فعثر على السفر الصحافي , لكن ببراعة مذهلة حوله إلى أدب رحلات , لم يقلل من عزمه أو حماسه أنه يكتب إلى صحف محدودة أو إلى وكالة الأنباء البولندية الرسمية الغارقة في التعابير الحزبية الجافة والبالية والخالية من أي عافية أو جهد.
ظن أنه سوف ينسى ذات يوم ويتقاعد في مقاهي وارسو مع صحافيي الحزب لكن الشهرة قفزت إليه من فوق «الستار الحديدي» ومن ثقوبه, لم يتحول فقط إلى مدرسة بل أيضا إلى موضوع معقد يتدارسه أساتذة الصحافة والأدب معا.
 سيرة كابوشنسكي ملونة ومثيرة ,  تُقرأ مثل أعماله كرواية خيالية أو كحياة رجل عادي خرج إلى مهنة أحبها، ولم يعد رجلا عاديا على الإطلاق.
وإذا انتقلنا إلى تاريخ الإسلام نجد أمثلة من تحايل المثقفين في هجاء الملوك، ومنها أيضا هجاء الدهر والزمن، حتى عرف الخليفة بالأمر فأمرهم بالكف عن هجاء الزمن، وآخر أمرهم بالكف عن وصفه بالأسد قائلا أنه كلب من الكلاب، أما شاعر آخر فامتهن المدح فلم يحصل على قوته فامتهن الجزارة، وذات يوم وهو في دكانه إذ اقترب منه كلب متوددا بذيله ولعابه يهطل من فمه، فبدأ الشعر قائلا: بالجزارة صارت الكلاب ترجوني وبالشعر كنت ارجو الكلابا.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More